24 ضحية من عكار.. باعوا أرضهم ليجتمعوا في أوستراليا
assafir
نجلة حمود دفعت محافظة عكار مجدداً ثمن الأوضاع المعيشية الصعبة والحرمان، من أرواح شبابها ونسائها وأطفالها الذين غادروا إلى ما وراء البحار، هرباً من الفقر والعوز، فكان الموت في انتظارهم، في بحر أندونيسيا البلد الذي لجأوا إليه للتمكن من الدخول خلسة إلى أوستراليا، حيث من المفترض أن يلتقوا مع إخوتهم وأقربائهم.الفاجعة كبيرة في محافظة عكار وتحديداً في بلدة قبعيت في منطقة جرد القيطع التي انهمكت في إحصاء الضحايا، غالبيتهم من الأطفال والنساء ليستقر الرقم في نهاية المطاف على 24 ضحية، 17 من بلدة قبعيت و4 من خريبة الجندي و2 من فنيدق وضحية من مجدلا. هي «رحلة الموت» و«ضحايا حرمان عكار» كما أطلق عليها أهالي بلدة قبعيت، الذين وحّدتهم المصيبة فعلت صيحات النسوة ونحيب الرجال من مختلف الأحياء والأزقة. هي البلدة الهادئة التي لم يكن أحد ليسمع بها لولا هذه الكارثة الإنسانية التي تخفي وراءها معاناة شعب ولد في الحرمان وعاش في الفقر والذل وعندما أراد الانطلاق إلى خارج حدود بلده لقي حتفه بطريقة مأساوية للغاية. لم يتوقع أهالي بلدة قبعيت يوماً أن يغدر بهم الزمن والبحر الذي اعتادوا اللجوء إليه فيحصد هذا الكم من الضحايا الأبرياء، هم فئة ممن جار عليهم الزمن، فلم يجدوا دولة تحضنهم ولا إنماء يشجعهم على البقاء في أرضهم، هربوا من قسوة العيش في جرود عكار، ومن وظائف بدت بعيدة المنال، في حين ان منافسة اليد العاملة الأجنبية قضت على ما تبقى من وظائف كانت تستر البعض منهم.النزوح والهجرة أمر طبيعي بالنسبة لأهالي جرد القيطع وتحديدا لأهالي بلدة قبعيت، التي يبلغ عدد سكانها خمسة آلاف نسمة (ألف منهم على الأقل في بلاد الاغتراب وتحديدا في أوستراليا، إضافة إلى السويد وألمانيا).لطالما عرف أهالي البلدة والمغتربين منهم طرقاً إلتفافية للوصول إلى الجهة التي يقصدونها، بعد أن يتم رفض فيزهم القانونية، فبالاضافة إلى أندونيسيا وماليزيا، هناك خط تركيا واليونان للوصول إلى السويد، لكن لم يسجل في تاريخ البلدة أن حصلت مثل هذه المجزرة، هو عامل القربى الذي شجع عائلات بكاملها على المغادرة معاً.قصص كثيرة يرويها أفراد من عائلات الضحايا عن تفاصيل الحادثة، وكيف جرى اعتقال الرجال ثلاث مرات قبل أن يتمكن البعض منهم من الفرار في ظروف مشبوهة واللحاق بالمركب، ليلقوا حتفهم في وسط البحر. وحده خالد كنعان 23 عاماً شعر بالخطر يحدق من الركوب في البحر، والذهاب عكس الموج، فاتصل بوالده محمد وطلب منه المال وأن يحجز له للعودة إلى لبنان. يروي الوالد أن ابنه لم يكن مطمئناً لما يجري من صفقات مشبوهة فوق الطاولة وتحتها، فقرر العودة إلى بلده.لم تتمكن ريا وكوثر من البلوغ مع أطفالهن إلى أوستراليا حيث كان شقيقهما عباس في انتظارهن مع عائلاتهن وأزواجهن، توفيت كوثر مع ثمانية من أطفالها، كذلك الحال بالنسبة إلى ريا التي قضت مع أبنائها الثلاثة. في حين نجا حسين زوج كوثر وأسعد زوج ريا.الخبر حلّ كالصاعقة على آل خضر، والحسرة كبيرة على عائلة اندثرت بكاملها: «نحن اليوم نبكي أرواحاً طاهرة ونساء لا حول لهنَّ ولا قوة»، يقول الشيخ علي خضر. يضيف: «نأمل أن تكون هذه الحادثة الأخيرة وأن تسلط الضوء على ملف الهجرة غير الشرعية، وأن نتمكن من استرجاع جثامين ضحايانا لإكرامهم في دفنهم».رفض حسين سماع كلام إخوته وإبقاء عائلته في لبنان والعمل على طلبهم لاحقاً، وذلك طمعا بمرافقة عائلة عديله في الرحلة والوصول معاً إلى أوستراليا، فقام بترك عمله في صنع لوحات الاعلانات، كذلك الحال بالنسبة لريا التي حرصت على البقاء مع عائلة شقيقتها حتى النهاية. يقر أهالي بلدة قبعيت بأن ما حصل خطأ كبير، و«أبناءنا وقعوا ضحية السماسرة وتجار البشر، لقد بعنا أرضنا حتى تمكنا من تأمين تكاليف السفر. والعملية كلفت ما يزيد عن 90 ألف دولار ليموتوا في بحر أندونيسيا. وقد نكون بحاجة إلى مثل هذا المبلغ للتمكن من إحضار جثثهم إلى لبنان». لم تتمكن عليا قاسم والدة منال (19 عاماً) من تصديق خبر وفاة ابنتها وهي التي زفتها عروساً قبل سفرها بأسبوع، غادرت منال مع زوجها خضر مصطفى درويش بعدما اتفقت مع شقيقيها مصطفى وأحمد على تدبير عمل لزوجها الذي طرد من عمله في أحد المطاعم بعدما قام صاحب العمل باستبداله بعامل سوري، لم يتمكن الزوج من المغادرة على متن الباخرة مع زوجته لأن السلطات الأندونيسية قامت باعتقاله. غادرت منال وحدها مفضلة أن تبقى برفقة نساء البلدة على أن تبقى في بلد لا تعرف فيه أحداً، فتوفيت وهي تحضن أحد الأطفال وفق ما ينقل أفراد عائلتها.تحتفظ أمال شقيقة منال بالصور التي أرسلت لها عبر الهاتف من البحر في أندونيسيا، تقول: «كانت أختي في وضع صعب للغاية، مريضة ومنهكة أرادت العودة إلى لبنان ولكن ذلك كان غير ممكن بسبب عدم توفر المال لأن كل ما كان بحوزتهم دفعوه في أندونيسيا». تضيف: «لم تتمكن أختي من العيش والراحة مع زواجها، وهي لا تحب السفر ولكن أرغمت على الأمر طمعاً بفرصة عمل في أوستراليا تمكنها من تأسيس عائلة وحياة كريمة». في منزل حسين أحمد خضر تعلو صيحات النحيب على عائلة انتهت، وعلى أب بات وحيداً بعدما كان محاطاً بثمانية أطفال وزوجة. زرفت الحاجة آمنة خضر الدموع والدماء على أحفادها، صرخت لأم علي زوجة ابنها، صرخت لأحفادها الذين أعربوا عن اشتياقهم لها قبل أسبوع خلال اتصال مع الجدة، صاحت آمنة لابنها حسين سائلة كيف سيتحمل مصيبته؟ وقالت: «العالم بمتلها واحد، اتنين، تلاتة، بس ما تسعة، ياماما يا حسين يا أرمل، شو حاسس يا حبيبي، لمين رح تشكي همك، شو بدي قول رحلتوا دفعة وحدة، وينكن يا ستي، ليش ما بقيتوا بحضني، قلتلكن رجعوا لعندي، يا تيتا ليش ما رجعتوا». كلمات رددتها الوالدة المريضة قبل أن تدخل في غيبوبة، ويتم إسعافها ونقلها للمعالجة. «ضاقت الدنيا في وجه شقيقي»، يقول ظهير شقيق حسين و«عندما حاولنا منعه من المغامرة بحياته مع عائلته، كان جوابه ماذا سيحدث إما أن نصل جميعا وإما أن نموت دفعة واحدة، وهو ما حصل بالفعل ولكن شاء القدر أن يبقى حسين ليحترق قلبه على فقدان أطفاله، الذين تتراوح أعمارهم من سنة وحتى 18 عاما». في منزل الحاجة عائشة عباس تطول قائمة الضحايا وتعلو الصيحات المرددة بأسماء: ريم، وفاء، علي، أحمد، رواء، ملاك، رنا، مريم، ريا، علي، مايا، وهم جميعهم أحفاد الحاجة عائشة التي فقدت ابنتيها ريا زوجة أسعد أسعد وكوثر زوجة حسين خضر.«كنت أنتظر أن يرن الهاتف لأتلقى خبر وصول بناتي وأحفادي ولقائهم بإخوتهم في أوستراليا، ليتني مت قبل أن أتلقى هكذا خبر، أريد بناتي أريد أحفادي أريد أن يدفنوا في لبنان». عبارات قالتها الحاجة الثمانينية المفجوعة بفقدان ابنتيها و11 من أحفادها. Source Linkنجلة حمود#.UkcR5EPfpMs