لبنان يكتشف وجود نازحين سوريين... بعد 20 شهراً

admin

Displaced

Viewed : 467

 

هيام القصيفي 

لم يعد في لبنان كلام سوى الحديث عن قضية النازحين السوريين، كأنهم دخلوا دفعة واحدة، فيما الحكومة مشغولة بالمساعدات المالية

الانفجار الفجائي لقضية النازحين السوريين، يوحي كأنهم وصلوا اليوم الى لبنان، لا منذ اكثر من عام، مع بدء ارتفاع وتيرة الأحداث السورية. لم تبدأ قضية النازحين، حين أطلق الموفد الدولي الاخضر الابراهيمي تحذيره للبنان والاردن من هجرة مليون سوري اليهما بسبب الازمة السورية، بل بدأت منذ زيارة السيناتور الاميركي جوزف ليبرمان وادي خالد في ايار الفائت، ومن ثم زيارة السيناتور الاميركي جون ماكين في حزيران، وجولة الممثلة العليا للشؤون الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون في تشرين الاول عام 2012، التي ركزت في معظمها على ضرورة الاهتمام بملف النازحين، وصولاً حتى الى زيارة الممثلة الاميركية انجيلينا جولي لبنان لتفقد النازحين السوريين. قضية استمرت تنذر بخطورة متزايدة كلما اقتربت المعارك من الحدود اللبنانية كما حصل في حمص، او كما يمكن ان يحدث في دمشق، التي تهدد اي معركة كبيرة فيها بتهجير مئات الالوف الى لبنان. لكن الحكومة استيقظت فجأة ووجدت في لبنان ما بين 173 الى 175 الف سوري مسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، يقابلهم بين اربعين الى خمسة واربعين الفا ينتظرون تسجيلهم. ويضاف الى هؤلاء ما يوازي عدد المسجلين تقريبا، اي نحو مئة وخمسين الفا ممن لا يريدون التسجيل، إما بسبب وضعهم المادي الميسور أو بسبب عدم ثقتهم باعمال التسجيل. تعامَل لبنان الرسمي مع تدفق اللاجئين السوريين، منذ 14 اذار عام 2011، دافناً رأسه في الرمال، تماماً كمثل تعامل الساسة اللبنانيين مع الحدث السوري على انه تظاهرات الجمعة ليس اكثر. شهرا بعد آخر، تفاقمت الازمة السورية، واقتنع اللبنانيون بأن ما يحدث في سوريا حرب حقيقية، وان الوافدين بالمئات ثم بالالاف الى لبنان لن يعودوا غدا الى بلادهم، ما دام منحى الحرب فيها يأخذ اشكالاً جديدة من العنف المذهبي والطائفي والسياسي والعسكري. ومشكلة اللاجئين السوريين، هي انهم وقعوا في لبنان منذ اللحظة الأولى ضحية الانقسام السياسي بين فريقي 8 و14 آذار، اللذين حولا هذا الملف طبقا اساسيا في الصراع الداخلي، بين فريق يريد ان يكون لبنان ملاذا آمناً للاجئين السوريين من دون اي معوقات، رافضا تعدادهم او احصاءهم، وفريق يرفض استمرار تدفق اللاجئين على قاعدتين، ان اغلبية النازحين معارضون للنظام السوري، وان لبنان لم يعد قادراً على استقبال مجموعات النازحين مع كل ما تمثله من اعباء اقتصادية ومشكلات امنية. وعزز هذا الاعتقاد تصريحات وزير الداخلية مروان شربل في احدى جلسات مجلس الوزراء بأن اكثر من نصف الجرائم في لبنان يرتكبها سوريون، اضافة الى تقارير امنية تثبت، كما جاء في أحدها، وهو صادر عن الجيش اللبناني، توقيف نحو 200 سوري في شهر تشرين الثاني وحده، لاسباب امنية متعددة، فضلاً عن تقارير قوى الامن الداخلي في الإطار ذاته. وبين الفريقين، رفعت قيادة الجيش الى وزير الدفاع كتاباً لعرضه على مجلس الوزراء في ايار عام 2011، يتضمن ضرورة انشاء خلية ادارة ازمة على مستوى الدولة اللبنانية لضبط عبور العائلات السورية الى لبنان. على ان تضم ممثلين عن الوزارات والاجهزة المعنية كالدفاع والداخلية والصحة والتربية والشؤون الاجتماعية والهيئة العليا للاغاثة، وضرورة لفت نظر مجلس الوزراء الى «مخاطر واعباء تدفق موجات العابرين بمجموعات كبيرة عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية». وتحدث التقرير عن مخاطر امنية واقتصادية وصحية، مشيراً الى الاحتياطات التي اتخذتها الدول المجاورة لسوريا كتركيا لاستيعاب حالات العبور. مرت سنة كاملة من دون ان يلقى الكتاب اي جواب ايجابي. وفي حزيران عام 2012 رفعت قيادة الجيش مجددا كتابا بالمعنى نفسه الى وزير الدفاع لعرضه على مجلس الوزراء، وفيه «أنه نتيجة الاوضاع الامنية الراهنة في سوريا... فإن أعداد السوريين في لبنان تتزايد على نحو كبير، مما قد يمثل ازمة انسانية واجتماعية كبرى، وعبئاً كبيرا على الحكومة والمجتمعات اللبنانية، وبالتالي من الضروري حصر النازحين في اماكن محدودة ومعروفة، مما يسهل متابعة اوضاعهم المعيشية وتنظيم عمليات توزيع المنظمات الانسانية الدولية والمحلية المساعدات الانسانية عليهم». ودعت الى إنشاء «خلية عمل مشتركة تتمثل فيها كافة المؤسسات المعنية لوضع خطة طوارئ وطنية شاملة تجنب لبنان الوقوع في المجهول». وفي موازاة الطابع الانساني لمهمة دعم النازحين، رفعت قيادة الجيش في 24 تشرين الاول عام 2012، مجدداً كتابا ثالثاً عرضت فيه «تكاثر الجرائم التي تبيَّن أن العدد الاكبر منها ينفذه اشخاص من التابعية السورية، استغلوا صفة نازحين لإنشاء عصابات للتعدي على الناس والاملاك العامة (...) تمثّل هذه الأعمال ازمة على مستوى الدولة، تنتج منها مخاطر امنية اقتصادية واجتماعية وأخلاقية تخرج عن السيطرة إن لم يوضع حد لها. تقضي الضرورة بوضع خطة طوارئ شاملة لاعادة تنظيم وجود النازحين السوريين بغية الحد من كافة الاعمال غير المشروعة». ألّف مجلس الوزراء اخيرا اللجنة المذكورة، لكن اللجنة غرقت، على ما يقول بعض منتقديها، في ملف المساعدات المالية، التي تثير وحدها عصباً حكومياً، لجهة ضرورة تأمين الاموال للازمة، وخصوصا إزاء الاهتمام الاستثنائي للمؤسسات الدولية والحكومات المانحة بتغطية الأكلاف المترتبة على اغاثة النازحين. مع العلم ان ثمة جوانب امنية حيوية توازي باهميتها الملف الانساني والصحي، الذي تعنى به الادارات المختصة. حين طرح ماكين خلال زيارته لبنان في تموز عام 2012 اقامة منطقة عازلة، تعرض لحملة رفض عنيفة، الى ان اوضح ماكين لاحقا ان المقصود منطقة عازلة في تركيا، حيث المكان الآمن لمرور المساعدات المتنوعة والمعارضين من سوريا واليها، لكن رد الفعل الأوّلي كان رفض أي منطقة عازلة خشية إقامة مخيمات للاجئين السوريين. وحجة الرافضين ان هذا الامر سيكون بمثابة تكرار لقضية اللاجئين الفلسطينيين لجهة اقامة مخيمات واستيطانهم تدريجاً، الا ان المقاربة غير دقيقة بتاتا، طالما ان سوريا اليوم لا تعاني الاحتلال، وانها لا تزال تشهد حركة عبور من لبنان اليها. اليوم بدأ الحديث يتوسع مجدداً عن ضرورة انشاء مخيمات للاجئين، على غرار ما فعلت تركيا والاردن منذ اللحظات الاولى، بعدما كانت الحكومة اول من رفض ذلك، وحتى رفضت استقبال خيم اللاجئين من ضمن المساعدات. وذكرت معلومات ان نقاشات دارت في بعض الدوائر حول تفاصيل تقنية تتعلق بالمساحات والبعد عن الحدود والأمكنة التي يمكن اختيارها وكيفية تأمين المساعدات اللوجستية لذلك. مع العلم ان ارتفاع عدد النازحين، السوريين ومن ثم الفلسطينيين، يحتم مبادرات سريعة، والمخيمات يمكن ان تمثل اطاراً صالحاً يسهل مراقبته أمنياً، وتأمين وسائل المساعدات في صورة افضل، فيما أدّت غلطة الحكومة الى انفلاش مشكلة اللاجئين لتشمل لبنان كله من شماله الى جنوبه. هذا الحديث بدأ يأخذ جدية كبرى، بعدما طرحت تفاصيل كثيرة تتعلق بحيثياته الامنية، ليس على قاعدة مراقبة المعارضين السوريين كما حصل في الاندفاعة الاولى لقوى المعارضة، إذ إن هذا الملف اصبح عملياً خارج التداول، فلا معارضون يرحلون ولا عمليات تدقيق في انتماءات النازحين. وهو امر عكسه ارتياح ديبلوماسيين اوروبيين خلال لقاءاتهم الدورية مع دوائر القرار في بيروت. والى أن تحسم الحكومة امرها بين الدعوات الى فتح الحدود او اقفالها، واقامة مخيمات او رفضها، فإننا امام مشكلة امنية وسياسية واجتماعية تتفاقم يومياً مع تدهور الوضع السوري، ما قد يجعل اي قرار حكومي مهما كان نوعه متأخراً كثيراً.

 

Source Link

Blog Roll