ما دخلكم بقضيّة جورج عبد الله؟
Al-Akhbar
11
Mar
2013
تهمة جديدة تضاف إلى ملف جورج ابراهيم عبد الله، وهي نيته العودة إلى أهله مرفوع الرأس. لكنّ جورج ليس المتهم الوحيد في القضية الجديدة، وليس أهله كذلك. فالتهمة إلى كل من تضامن مع جورج وأيّده وعبّر عن فرحه بالسرّ أو بالعلن بقرب خروجه إلى الحرية. التهمة إلى كل وسائل الإعلام «المضلّلة»، وخصوصاً تلك التي اعتبرته مناضلاً. التهمة موجّهة إلى كل كاتب وقانوني، وصولاً إلى أي مواطن تجرّأ على وضع إشارة «لايك» على مواقع التواصل الاجتماعي، تأييداً لعبارة ترحّب بعودته بعد ثلاثة عقود من الاعتقال (نصفها على الأقل تعسفاً) أو تشجب رفض وزير الداخلية الفرنسي تنفيذ قرار قضاء بلاده بترحيل جورج إلى بلده. لم يجد الشاجبون لعودة جورج حراً المبررات لرأسه المرفوع. صدمهم قرار القضاء الفرنسي بإطلاق سراحه، فراحوا يتساءلون كيف يحتفل بعودته، ولماذا كل هذا الضجيج، ما دام لبنان يعيش أزمة اجتماعية خانقة، وما دامت أزمة المرور لم تحلّ، وكذلك ارتفاع أسعار المحروقات، وانقطاع الكهرباء...؟ التهمة إذاً هي صرف انتباه المجتمع اللبناني عن قضاياه. ولأجل ذلك، تفتقت عبقرياتهم جميعاً عن رؤى في فلسفة الثورة. راح البعض ممن كانوا يوماً من دعاة الثورة والعروبة والوطنية وتحرير فلسطين، يصبّون حقدهم على كل ما يرمز إليه جورج، لعلهم يقدمون مجدداً حسن سلوك وسيرة أمام أسيادهم الجدد. منهم من يطمع في الحصول على تأشيرة دخول إلى فرنسا، أو ربما جنسية، ومنهم من يطمع في ترقية في صحيفته أو في وظيفة أخرى. والبعض الآخر جمع معطيات صحافية مبعثرة هنا وهناك ليثبت أن جورج «انهار منذ لحظة توقيفه»، فيا ليت هذا البعض توجّه باكتشافه هذا إلى الإدارة الفرنسية ليوفر على أهله ومناصريه عناء المطالبة بتحريره. كما يقول المثل الشائع «الناس بالناس والقطة بالنفاس». فجورج أولاً أيها السادة المحترمون لا يزال في الأسر مخطوفاً لدى إدارة غارقة في إذلال قضائها تحت أقدام الصهاينة والأميركيين، فحريّ بكم أن تبيّضوا طناجركم أمام الأصيل بدل استرضاء الوكيل. وبالتالي فإن أهله ومناصريه لا يزالون في الشوارع غير مكترثين بمظاهر الأبّهة التي لا تشغل إلا من بمستواكم من قليلي الضمائر، بل هم يدافعون بحناجرهم وباللحم الحي عن حقّ أقرّه القضاء الفرنسي. وأهل جورج ثانياً، لم يكونوا بوارد الاحتفال كما ظننتم، فهم أكثر حساسية منكم جميعاً للمشاكل والقضايا التي يعيشها المجتمع. وهذا ليس ادّعاءً، بل واقع موثق بالصوت والصورة، ويا ليته كان لديكم من المهنية الصحافية كما كانت لغيركم من الصحافيين الذين تابعوا بالتفصيل مجريات التحضير لاستقباله في بلدته، حيث عبرت العائلة عن رغبتها بقصر الاستقبال على مجرد كلمة شكر لكل من سعى وشارك وناضل لتحرير جورج والقضاء الفرنسي معاً من الهيمنة الأميركية. لكن أهل البلدة بأطيافها كلها هم الذين رفضوا إلا أن يحتفى بعودته عبر مهرجان شعبي يفيه حقه ويقدّر ثباته على مبادئه. والمفرقعات التي أطلقها في بيروت العاملون في الحملة الداعية إلى إطلاق سراحه كانت أقل بكثير مما يطلق بعد أن يرزق مسؤول بمولود سعيد، أو بعد أن ينال ابن حضرته شهادة جامعية، أو توفق ابنته بعريس محترم. الأهم من ذلك كله، ما دخلكم أنتم بقضايا المجتمع والحرية والثورة والثوار؟ وماذا تعرفون عن قضية جورج عبد الله ومجرياتها؟ في الشق الأول، ثمة من بينكم من يعتبر العدو وجهة نظر، ووجوب مقاومته وجهة نظر، والعمالة أيضاً وجهة نظر، ويبدو أنه حتى الأخلاق بالنسبة إليه وجهة نظر. وبينكم أيضاً مَن يرى المواقف «غب الطلب» و«على التيسير». فإذا كان الوقوف إلى جانب الوطن والعروبة والثورة مربحاً، «طسّم» نفسه في صفوف كبار الداعين إلى تلك الوقفة، حتى إذا ما انقلبت الموازين بدّل ثوبه وغيّر تجارته دون وجل ودون حياء. في الشق الثاني، جورج عبد الله لا يمكن أن تعرفوه أبداً، لا في الشبه ولا في النقيض. هو حتماً لا يشبهكم أبداً وإلا لما كان حيث هو. وهو اختار مقارعة الرؤوس، وأنتم اخترتم مكاناً آخر، يليق بكم. جورج عبد الله مجدداً هو أمام استحقاق الإفراج الفوري عنه. هو محكوم منذ تسعة وعشرين عاماً بتهم لفّقها القضاء، وفق شهادة مدير المخابرات الفرنسية إيف بونيه الذي أشرف على اعتقاله. المحكمة التي أدانت جورج مطعون بشرعيتها أصلاً، لأن الإدارة الفرنسية نصّبت عميلاً للمخابرات هو بول مازورييه بصفته محامياً عنه من قبل الدولة الفرنسية. جورج عبد الله يستوفي شرطَي الإفراج المشروط (السلوك الحسن في السجن، واستعداد دولته وذويه لاستقباله) منذ عام 1999. جورج عبد الله أفرجت عنه السلطات القضائية الشهر الماضي، على أن يرحّل في الرابع عشر من الجاري، لكن وزير الداخلية الفرنسي التزم أوامر الناطقة باسم الخارجية الأميركية ورفض توقيع قرار ترحيله إلى لبنان.