عقوبة الإعدام: إلغاء القاتل لا الجريمة

alakhbar

admin

Death Penalty

Viewed : 483

 نحن لا نرفض الجريمة بل نرفض معالجتها بجريمة أخرى (مروان طحطح) منذ عشر سنوات، لم تنفذ الدولة اللبنانية حكماً بالإعدام. و«لم تنفذ» ليس معناه أنها ألغت العقوبة، وإنما علّقتها بحكم الأمر الواقع. فإلى الآن لا تزال القوانين اللبنانية مصابة بلوثة «معاقبة القتل بالقتل»، ومنها قانون العقوبات المدني والآخر العسكري، حتى قانون حماية البيئة. لكن، بعيداً عن هذا الواقع الذي لا يجرؤ معه لبنان، لأسباب سياسية ودينية، على إلغاء العقوبة، لم يسأل أحد يوماً عن الأسباب التي تدفع القاتلين إلى القتل. فماذا عنها؟ راجانا حمية سعيد، 35 عاماً، أب لطفلة، أعدم لارتكابه جريمة قتلٍ بدافع السرقة.يوسف، 30 عاماً، قتل جرجي بدافع السرقة، فأعدم.فيكتور عواد، 35 عاماً، قتل بدافع السرقة، فأعدم.مهدي، 25 عاماً، أب لطفلتين. قتل راعياً بدافع سرقة غنمة، فأعدم.نجيب صافي، ثأر لمقتل والده، فأعدم. ومثله ابراهيم نابلسي، 24 عاماً.علي عمار، 22 عاماً، عامل «أتى حديثاً إلى المدينة». اغتصب قاصراً، فأعدم. هؤلاء السبعة هم أمثلة من لائحة طويلة ممن ماتوا على المقصلة. لم يموتوا وحدهم، لكنهم كانوا نموذجاً استندت إليه منسقة الحملة الوطنية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام أوغاريت يونان، للحديث عن «الأسباب التي تدفع إلى ارتكاب الجريمة»، في المؤتمر الذي عقدته الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية يومي الجمعة والسبت الماضيين في بيت المحامي، تحت عنوان «واقع عقوبة الإعدام في لبنان».في مقابل نموذج المقتولين على مقصلة الدولة، هناك النموذج الآخر الذي لا يزال ينتظر تنفيذ الحكم. فاليوم، في أقبية الموت في سجني رومية وبعبدا للنساء، ينتظر 57 إنساناً (56 ذكراً وامرأة واحدة) موتاً لا يعرفون متى يحين وقته. قد يأتي عاجلاً أو آجلاً، في البلد الذي يلتزم بتعليق تنفيذ الأحكام، بحكم الأمر الواقع، من دون أن يجرؤ على إلغاء العقوبة، حيث كان آخر حكم نفذ بالإعدام في عام 2003.57 معلقون على حافة الحياة. ليس المطلوب هنا التحدث عما يعانيه هؤلاء الخائفون من طلوع الفجر الذي قد يسوقهم إلى موتهم. المطلوب هو الإجابة قبل كل شيء عن هذا السؤال: هل سأل أحدكم عن الأسباب التي أوصلت هؤلاء لنحكم عليهم بالموت؟ لنطبق عليهم عقوبة «القتل القانوني» التي هي بلا شك جريمة تُضاف الى الجرم الذي ارتكبوه؟هنا، ليس المطلوب التبرير للقاتل. هؤلاء «ارتكبوا جرماً يتوجب عقاباً، وهذا لا جدال فيه، إنما علينا البحث عن الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى ارتكاب الجرم، وهي في معظمها أسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية وعصبية حتى، ولا تقع على عاتق القاتل وحده، وإنما تتشارك فيها الدولة والمجتمع»، تقول يونان. في حالات القتل السابقة، ثمة شيء مشترك بين معظم من أعدموا: سبب القتل الذي على أساسه نالوا عقوبة القتل هم أيضاً. فمن بين ثمانية نماذج، هناك أربعة قتلوا بسبب الفقر. بسبب البيئة الاجتماعية التي نشأوا فيها. فهؤلاء الذين حكموا بالموت، وفقاً لأحكام المادة 549 من قانون العقوبات اللبناني، هم فقراء قبل أن يرتكبوا جرائمهم. وعلى هذا الأساس، يقول وزير العدل شكيب قرطباوي «ليس المطلوب إلغاء العقوبة بحقهم، إنما رفض أن تكون تلك العقوبة جريمة أخرى ترتكب باسم القانون، وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني أننا لا نرفض الجريمة، بل نرفض معالجتها بجريمة أخرى».النظر في الأسباب أساس. ويمكن أن نتطرق إلى الأحكام الصادرة بحق الأشخاص المحكومين بالإعدام. وبحسب القاضي رجا أبي نادر، رئيس مديرية السجون في وزارة العدل، فإن «معظم المحكومين ارتكبوا جرمهم، مدفوعين بسبب أحوالهم المعيشية، فيما هناك حالات نادرة تتعلق بالتجسس أو الخيانة». وهنا، بحسب أبي نادر «المسؤولية الأساسية تقع على الدولة التي يجب عليها العمل على معالجة الأسباب التي هي في معظمها اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية، وهي ليست مسؤولية القاتل وحده، وعلى الجميع تحملها».وعلى هذا الأساس، يمكن الوصول إلى الخلاصة التي قالها الناشط اللاعنفي وليد صليبي «القتل القانوني لا يلغي الجريمة، وإنما يلغي قاتلاً فقط». وما تفعله الدولة بتطبيقها عقوبة الإعدام لا يصنع العدالة. فهي تقتل. يعني أنها تفتعل جريمة، «وجريمتان لا تصنعان عدالة». هكذا، يقول صليبي.وهنا، قد تكون الحاجة ماسة لنسف الوهم الراسخ، بأن ثمة رابطاً بين عقوبة الإعدام وتخفيف نسبة الجريمة. وفي هذا الإطار، يشير وزير العدل شكيب قرطباوي إلى أن التجارب «أثبتت أن العكس هو الصحيح، ففي فرنسا مثلاً، انخفضت نسبة الجريمة بعد عامٍ واحد من إلغائها عقوبة الإعدام». وهذا ثابت في أماكن أخرى، فهناك إيطاليا وكندا أيضاً. في المقابل، تكساس الأميركية مثلاً. هذه المدينة التي يكثر «مجرموها» بقدر ما تمارس هي فعل القتل، والتي لا تزال إلى الآن واحدة من بين 35 ولاية تلتزم الإعدام كعقوبة في قوانينها.إذاً، ثمة حاجة للنضال. فبعيداً عن معالجة الأسباب التي قد تخفف، فهناك الحاجة لأنسنة القوانين. ففي جردة بسيطة على القوانين اللبنانية، هناك مواد كثيرة تنص صراحة على «جريمة الإعدام»، ومنها المواد 273 و274 و275 و276 و549 و640 و642 و643 من قانون العقوبات المدني والمواد 121 و124 و130 و132 و168 و171 من قانون العقوبات العسكري والمادة 140 من قانون المخدرات والمادتان 11 و12 من قانون المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطيرة وقانون العام 1958 الذي شدد العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات على جرائم إثارة الحرب الأهلية والأعمال الإرهابية. هذه المواد لم تعدل، برغم المحاولات التي بدأت منذ العام 2000 لتعديلها. وبحسب قرطباوي، «هناك 5 مشاريع قوانين، كان آخرها مشروع القانون الذي تقدمت به العام الماضي، وهي مشاريع لم يجرؤ أحد على طرحها». أما الأسباب، فتكفل بذكر بعضها وزير العدل السابق ابراهيم نجار: «السياسة والدين».في السياسة، يشير النائب غسان مخيبر صراحة إلى من هم في الظاهر ضد عقوبة الإعدام، و«عندما يحين التصويت أو الحديث بشكلٍ رسمي يعلنون رفضهم لإلغاء العقوبة، وغالبية النواب هم في هذا المقام». اعتراف ليس جديداً، والدليل «المشاريع المكدسة في ما يخص عقوبة الإعدام التي لا تزال موضوعاً خلافياً، يحتاج إدراجه على جدول لجنة الإدارة والعدل مثلاً إلى قرار سياسي». وأكثر من ذلك، إلغاء العقوبة هو عمل سياسي في الدرجة الأولى.وعلى أساس هذه الحاجة، قد نفهم مثلاً إنجازات المجلس النيابي التي تكاد لا تكون هنا. فمنذ خمس سنوات «لم يصوّت المجلس على أي قانون باستثناء تعديل مادتين كانتا تنصّان على الإعدام في قانون تجريم الاتجار بالأشخاص الذي صوّت عليه من دون العقوبة، وثانياً قانون حماية النساء من العنف الأسري». ثمة شيء إضافي حدث في العام 2011 وهو صدور القانون 183 الذي أقر في مادته الرابعة أن «المحكوم عليهم بالإعدام الذين قضوا 30 عاماً في الاعتقال وتوافرت فيهم سائر الشروط العامة التي منها إسقاط الحق الشخصي، يستفيدون من تخفيض عقوبتهم، على ألا يقل إجمالي العقوبة المخفضة عن 35 عاماً وألا تزيد على 40».ولكن، حتى هذا الذي يعدّونه إنجازاً لا ينطبق على أي من المحكومين. ففي الشكل، أقدم عقوبة بالإعدام هي 21 عاماً. وفي المضمون، كيف سيسقط أهالي الضحايا حقهم الشخصي عن قاتلهم؟ وإن حدث أن أسقطوا على أساس مبدأ السماح، غير المقبول إلى الآن، فمن أين يأتي المحكوم بالإعدام بمئة أو مئتي مليون ليرة تعويضاً لأهل الضحية؟ مسؤولية من كل هذا؟ Source Link

Blog Roll